كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَمِنْهَا أَنَّ الْمَرْأَةَ تَرِثُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا.
وَمِنْهَا أَنَّ الدِّيَةَ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ؛ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ السَّلَفِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
بَابُ أَسْنَانِ الْإِبِلِ فِي دِيَةِ الْخَطَإِ:
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ، فَرَوَى عَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي دِيَةِ الْخَطَإِ أَخْمَاسًا: «عِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ بَنَاتُ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بَنُو مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بَنَاتُ لَبُونٍ».
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَخْمَاسًا أَيْضًا.
وَرَوَى عَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ وَإِبْرَاهِيمُ عَنْ عَلِيٍّ فِي دِيَةِ الْخَطَإِ أَرْبَاعًا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتُ مَخَاضٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتُ لَبُونٍ أَرْبَعَةُ أَسْنَانٍ مِثْلُ أَسْنَانِ الزَّكَاةِ.
وَقَالَ عُثْمَانُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: «فِي الْخَطَإِ ثَلَاثُونَ بَنَاتُ لَبُونٍ وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ بَنُو لَبُونٍ وَعِشْرُونَ بَنَاتُ مَخَاضٍ» وَرُوِيَ عَنْهُمَا مَكَانُ الْجِذَاعِ الْحِقَاقُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ أَصْحَابُنَا وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ أَنَّ دِيَةَ الْخَطَإِ أَخْمَاسٌ، إلَّا أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْأَسْنَانِ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا جَمِيعًا: عِشْرُونَ بَنَاتُ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بَنُو مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بَنَاتُ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةٌ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: «عِشْرُونَ بَنَاتُ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بَنُو لَبُونٍ وَعِشْرُونَ بَنَاتُ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً».
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد بْنِ تَوْبَةَ التَّمَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ خِشْفِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الدِّيَةَ فِي الْخَطَإِ أَخْمَاسًا».
وَاتِّفَاقُ الْفُقَهَاءِ عَلَى اسْتِعْمَالِ هَذَا الْخَبَرِ فِي الْأَخْمَاسِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ؛ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ كَيْفِيَّةِ الْأَسْنَانِ، فَرَوَى مَنْصُورٌ عَنْ إبْرَاهِيمِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي دِيَةِ الْخَطَإِ أَخْمَاسًا وَذَكَرَ الْأَسْنَانَ مِثْلَ قَوْلِ أَصْحَابِنَا، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَخْمَاسَ الَّتِي رَوَاهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا ثُمَّ يُخَالِفُهُ إلَى غَيْرِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: خِشْفُ بْنُ مَالِكٍ مَجْهُولٌ.
قِيلَ لَهُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ لِخَبَرِهِ فِي إثْبَاتِ الْأَخْمَاسِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ وَاسْتِقَامَتِهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَ مَنْ جَعَلَ فِي الْخَطَإِ مَكَانَ بَنِي لَبُونٍ بَنِي مَخَاضٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّ بَنِي لَبُونٍ بِمَنْزِلَةِ بَنَاتِ مَخَاضٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ» فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَوْجَبَ أَرْبَعِينَ بَنَاتِ مَخَاضٍ إذَا أَوْجَبَ عِشْرِينَ بَنِي لَبُونٍ وَعِشْرِينَ بَنَاتِ مَخَاضٍ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ بَنِي لَبُونٍ فَوْقَ بَنِي مَخَاضٍ، وَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُ زِيَادَةِ مَا بَيْنَ بَنِي لَبُونٍ وَبَنَاتِ مَخَاضٍ إلَّا بِتَوْقِيفٍ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدِّيَةُ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» يَقْتَضِي جَوَازَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، فَلَا تَثْبُتُ الزِّيَادَةُ إلَّا بِدَلَالَةٍ، وَمَذْهَبُ أَصْحَابِنَا أَقَلُّ مَا قِيلَ فِيهِ فَهُوَ ثَابِتٌ.
وَمَا زَادَ فَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ دَلَالَةٌ فَلَا يَثْبُتُ.
وَأَيْضًا قَدْ ثَبَتَ مِثْلُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي كَيْفِيَّةِ الْأَسْنَانِ وَلَمْ يَرْوِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ قَالَ بِالْأَخْمَاسِ خِلَافَةَ؛ وَقَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لَا يُرْوَى عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَإِنَّمَا يُرْوَى عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، فَكَانَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا أَوْلَى لِاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى إثْبَاتِ الْأَخْمَاسِ وَثُبُوتِ كَيْفِيَّتِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ أَصْحَابُنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
فَإِنْ قِيلَ إيجَابُ بَنِي لَبُونٍ أَوْلَى مِنْ بَنِي مَخَاضٍ لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ وَلَا تُؤْخَذُ بَنُو مَخَاضٍ.
قِيلَ لَهُ: ابْنُ اللَّبُونِ يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ مَخَاضٍ يُؤْخَذُ عِنْدَنَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الدِّيَاتِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ بِالزَّكَاةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ عِنْدَ الْمُخَالِفِ أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَلَا يَجِبُ مِثْلُهَا فِي الزَّكَاةِ؟ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
بَابُ أَسْنَانِ الْإِبِلِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ:
رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ أَرْبَاعًا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتُ مَخَاضٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتُ لَبُونٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةٌ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةٌ، وَهِيَ مِثْلُ أَسْنَانِ الْإِبِلِ فِي الزَّكَاةِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَأَبِي مُوسَى وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: «فِي شِبْهِ الْعَمْدِ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ مَا بَيْنَ ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلٍ عَامُهَا كُلُّهَا خَلِفَةٌ».
وَعَنْ عُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: «ثَلَاثُونَ بَنَاتُ لَبُونٍ وَثَلَاثُونَ حِقَّةً وَأَرْبَعُونَ جَذَعَةً خِلْفَةً».
وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ: «فِي شِبْهِ الْعَمْدِ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ ثَنِيَّةٌ إلَى بَازِلِ عَامِهَا، كُلِّهَا خَلِفَةٌ».
وَاخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: «دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ أَرْبَاعٌ» عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ أَثْلَاثٌ: ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ مَا بَيْنَ ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلٍ عَامُّهَا كُلُّهَا خَلِفَةٌ، وَالْخَلِفَةُ هِيَ الْحَوَامِلُ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.
وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَمَنْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ مِنْ السَّلَفِ.
وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: «أَنَّ الدِّيَةَ الْمُغَلَّظَةَ فِي الرَّجُلِ يَحْذِفُ ابْنَهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْتُلَهُ فَتَكُونُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً وَهِيَ حَالَّةٌ» قَالَ: «وَالْجَدُّ إذَا قَتَلَ وَلَدَ وَلَدِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَهُوَ مِثْلُ الْأَبِ، فَإِنْ قَطَعَ يَدَ الْوَلَدِ وَعَاشَ فَفِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ مُغَلَّظَةٌ»؛ وَقَالَ مَالِكٌ: «تُغَلَّظُ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ أَيْضًا، وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ الثَّلَاثِينَ مِنْ الْحِقَّةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ الْجَذَعَةِ وَالْأَرْبَعِينَ مِنْ الْخَلِفَةِ فَيَعْرِفُ كَمْ قِيمَتَهُنَّ، ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى دِيَةِ الْخَطَإِ أَخْمَاسًا مِنْ الْأَسْنَانِ عِشْرِينَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرِينَ ابْنَ لَبُونٍ وَعِشْرِينَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَعِشْرِينَ حِقَّةً وَعِشْرِينَ جَذَعَةً، ثُمَّ يَنْظُرُ كَمْ فَضَلَ مَا بَيْنَ دِيَةِ الْخَطَإِ وَالدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ فَيُزَادُ فِي الرِّقَّةِ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ» قَالَ: «وَهُوَ عَلَى قَدْرِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فِي سَائِرِ الْأَزْمَانِ، وَإِنْ صَارَتْ دِيَةُ التَّغْلِيظِ ضِعْفَيْ دِيَةِ الْخَطَإِ زِيدَ عَلَيْهِ مِنْ الْوَرِقِ بِقَدْرِ ذَلِكَ».
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ فِي دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ مِنْ الْوَرِقِ: «يُزَادُ عَلَيْهَا بِقَدْرِ مَا بَيْنَ دِيَةِ الْخَطَإِ إلَى دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ فِي أَسْنَانِ الْإِبِلِ» نَحْوَ مَا قَالَ مَالِكٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ دِيَةَ الْخَطَإِ أَخْمَاسٌ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا قَدَّمْنَا مِنْ الْحِجَاجِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي شِبْهِ الْعَمْدِ فَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ أَرْبَاعًا وَبَعْضُهُمْ أَثْلَاثًا، كَانَ قَوْلُ مَنْ قَالَ بِالْأَرْبَاعِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي الْأَثْلَاثِ زِيَادَةُ تَغْلِيظٍ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهَا دَلَالَةٌ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدِّيَةُ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» يُوجِبُ جَوَازَ الْكُلِّ، وَالتَّغْلِيظُ بِالْأَرْبَاعِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ، فَظَاهِرُ الْخَبَرِ يَنْفِيهَا فَلَمْ نُثْبِتْهَا.
وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي إثْبَاتِ الْخَلِفَاتِ وَهِيَ الْحَوَامِلُ إثْبَاتُ زِيَادَةِ عَدَدٍ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ لِأَجْلِ الْأَوْلَادِ.
فَإِنْ قِيلَ: فِي حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي قَتِيلِ خَطَإِ الْعَمْدِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا خَلِفَةٌ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» وَقَدْ احْتَجَجْتُمْ بِهِ فِي إثْبَاتِ شِبْهِ الْعَمْدِ، فَهَلَّا أَثْبَتُّمْ الْأَسْنَانَ!
قِيلَ لَهُ: أَثْبَتْنَا بِهِ شِبْهَ الْعَمْدِ لِاسْتِعْمَالِ الصَّحَابَةِ إيَّاهُ فِي إثْبَاتِ شِبْهِ الْعَمْدِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ ثَابِتًا لَكَانَ مَشْهُورًا، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ كَمَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي إثْبَاتِ شِبْهِ الْعَمْدِ؛ وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَشْتَمِلَ خَبَرٌ عَلَى مَعَانِي فَيَثْبُتُ بَعْضُهَا وَلَا يَثْبُتُ بَعْضٌ إمَّا لِأَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي الْأَصْلِ أَوْ لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَأَمَّا التَّغْلِيظُ فِي الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَصْلُ الدِّيَةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا مِنْ الْإِبِلِ وَأَنَّ الْوَرِقَ وَالذَّهَبَ مَأْخُوذَانِ عَنْهَا عَلَى أَنَّهُمَا قِيمَةٌ لَهَا، أَوْ أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ فِي الْأَصْلِ وَاجِبَةً فِي أَحَدِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْإِبِلِ، لَا عَلَى أَنَّ بَعْضَهَا بَدَلٌ مِنْ بَعْضٍ، فَإِنْ كَانَتْ الْإِبِلُ هِيَ الدِّيَةُ وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ بَدَلًا مِنْهَا؛ فَلَا اعْتِبَارَ بِمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ مِنْ إيجَابِ فَضْلِ مَا بَيْنَ دِيَةِ الْخَطَإِ إلَى الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ إنَّ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْإِبِلِ عَلَى أَسْنَانِ التَّغْلِيظِ، وَكَذَلِكَ دِيَةُ الْخَطَإِ يَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ فِيهَا قِيمَةُ الْإِبِلِ عَلَى أَسْنَانِ الْخَطَإِ وَأَنْ لَا تُعْتَبَرَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ فِي الدِّيَاتِ مِقْدَارًا مَحْدُودًا، فَلَا يُقَالُ إنَّ الدِّيَةَ مِنْ الدَّرَاهِمِ عَشَرَةُ آلَافٍ وَلَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا وَلَا مِنْ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ، بَلْ يُنْظَرُ فِي سَائِرِ الْأَزْمَانِ إلَى قِيمَةِ الْإِبِلِ فَإِنْ كَانَتْ سِتَّةَ آلَافٍ أَوْجَبَ ذَلِكَ مِنْ الدَّرَاهِمِ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا أَوْجَبَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ قِيمَتُهَا مِنْ الدَّنَانِيرِ.
فَلَمَّا قَالَ السَّلَفُ فِي الدِّيَةِ أَحَدُ قَوْلَيْنِ إمَّا عَشَرَةُ آلَافٍ وَإِمَّا اثْنَا عَشَر أَلْفًا وَقَالُوا إنَّهَا مِنْ الدَّنَانِيرِ أَلْفُ دِينَارٍ، حَصَلَ الِاتِّفَاقُ مِنْ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى هَذِهِ الْمَقَادِيرِ وَالنُّقْصَانُ مِنْهَا غَيْرُ سَائِغٍ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ هِيَ دِيَاتٌ بِأَنْفُسِهَا لَا بَدَلًا مِنْ غَيْرِهَا؛ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ التَّغْلِيظُ فِيهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ إثْبَاتَ التَّغْلِيظِ طَرِيقُهُ التَّوْقِيفِ أَوْ الِاتِّفَاقِ، وَلَا تَوْقِيفَ فِي إثْبَاتِ التَّغْلِيظِ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَلَا اتِّفَاقَ.
وَالثَّانِي: أَنَّ التَّغْلِيظَ فِي الْإِبِلِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْأَسْنَانِ لَا مِنْ جِهَةِ زِيَادَةِ الْعَدَدِ؛ وَفِي إثْبَاتِ التَّغْلِيظِ مِنْ جِهَةِ زِيَادَةِ الْوَزْنِ فِي الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ خُرُوجٌ عَنْ الْأُصُولِ.
وَوَجْهٌ آخَرَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَيْسَتْ عَلَى وَجْهِ الْقِيمَةِ عَنْ الْإِبِلِ، وَهُوَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْوَرِقِ بِالْوَرِقِ، وَإِذَا كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الذَّهَبِ بِالدَّنَانِيرِ؛ فَلَوْ كَانَتْ الْإِبِلُ هِيَ الْوَاجِبَةُ وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ بَدَلٌ مِنْهَا لَمَا جَازَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي فِيهَا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ، فَلَمَّا جَازَ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا دِيَاتٌ بِأَنْفُسِهَا لَيْسَتْ أَبْدَالًا عَنْ غَيْرِهَا.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّغْلِيظَ غَيْرُ جَائِزٍ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلَ الدِّيَةَ مِنْ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ مِنْ الْوَرِقِ مَا اخْتَلَفَ عَنْهُ فِيهِ، فَرَوَى عَنْهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ: «اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا» وَرَوَى عَنْهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ «عَشَرَةُ آلَافٍ» وَلَمْ يُفَرِّقْ فِي ذَلِكَ فِي دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ وَذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ عَلَيْهِ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ التَّغْلِيظِ فِيهَا سَاقِطٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ الصَّحَابَةَ قَدْ اخْتَلَفَتْ فِي كَيْفِيَّةِ التَّغْلِيظِ فِي أَسْنَانِ الْإِبِلِ لَمَّا كَانَ التَّغْلِيظُ فِيهَا وَاجِبًا، وَلَوْ كَانَ التَّغْلِيظُ فِي الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ وَاجِبًا لَاخْتَلَفُوا فِيهِ حَسْبَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْإِبِلِ؛ فَلَمَّا لَمْ يُذْكَرْ عَنْهُمْ خِلَافٌ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْهُمْ فِي الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وَفِي الدَّرَاهِمِ عَشَرَةُ آلَافٍ أَوْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ، ثَبَتَ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ نَفْيُ التَّغْلِيظِ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ.
فَإِنْ قِيلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأُصُولِ لَوْ كَانَ مِنْ الْإِبِلِ لَكَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا بِدَيْنٍ: إنَّ هَذَا كَمَا يَقُولُونَ فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ وَسَطٍ «إنَّهُ إنْ جَاءَ بِالْقِيمَةِ دَرَاهِمَ قُبِلَتْ مِنْهُ» وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ.
قِيلَ لَهُ: الْقَاضِي عِنْدَنَا لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالدَّرَاهِمِ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ وَلَكِنَّهُ يَقُولُ لَهُ: «إنْ شِئْت فَأَعْطِهَا عَبْدًا وَسَطًا وَإِنْ شِئْت قِيمَتَهُ دَرَاهِمَ» فَلَيْسَ فِيمَا قُلْنَا بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَالدِّيَةُ يَقْضِي بِهَا الْقَاضِي عَلَى الْعَاقِلَةِ دَرَاهِمَ وَلَا يَقْبَلُ مِنْهُمْ الْإِبِلَ إذَا قَضَى بِذَلِكَ؛ وَعَلَى أَنَّهُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْعَبْدِ فِي وَقْتِ مَا يُعْطِي قِيمَتَهُ دَرَاهِمَ، وَالْإِبِلُ لَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا إذَا أَرَادَ الْقَضَاءَ بِالدَّرَاهِمِ سَوَاءٌ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا أَوْ زَادَتْ.
مَطْلَبٌ فِي دِيَةِ الْمَقْتُولِ فِي الْحَرَمِ وَالشَّهْرِ الْحَرَامِ:
وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِي الْمَقْتُولِ فِي الْحَرَمِ وَالشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ وَزَفَرُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٌ: «الْقَتْلُ فِي الْحَرَمِ وَالشَّهْرِ الْحَرَامِ كَهُوَ فِي غَيْرِهِ فِيمَا يَجِبُ مِنْ الدِّيَةِ وَالْقَوَدِ».
وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ الْقَتْلِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحَرَمِ هَلْ تُغَلَّظُ الدِّيَةُ فِيهِ؟ قَالَ: «بَلَغَنَا أَنَّهُ إذَا قُتِلَ فِي الْحَرَمِ أَوْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ زِيدَ عَلَى الْعَقْلِ ثُلُثَهُ وَيُزَادُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ فِي أَسْنَانِ الْإِبِلِ».